السينما العربية في عيون ثلاثة مخرجيين شباب
يشترك كل من "محمد الدراجي" و"هشام والزعوقي" و"بدر بن هيرسي" بحلمهم الكبير لصناعة سينما عربية محترفة.. تجمع بين الفن والصناعة والتجارة. الشباب الثلاثة درسوا السينما في أوروبا بظروف وأماكن مختلفة. ووظفوا دراستهم لإنجاز أفلام عربية برؤية سينمائية جديدة. فرصة العمل السينمائي أتيحت لهم خارج بلدانهم، وربما كانت حيواتهم تسير باتجاهات مغايرة فيما لو ظلوا في تلك البلدان.
الثلاثة تحرروا من وطأة السياسة التي تتدخل في كل نأمة عربيا. ويسعون لتتخلص السينما العربية من الهمّ السياسي قريبا. وهم يؤسسون مع مخرجين شباب آخرين لسينما عربية بدماء شابة. ويدعون "كهول وشيوخ" السينما العربية المتربعين على كاهلها لإفساح المجال لهم، ولمجايليهم من الشباب السينمائيين العرب ليقدموا ما لديهم.
الثلاثة حالمون كبار بإنجاز فتوحات سينمائية فيما لو أتيحت لهم الظروف عربيا. اشتركوا في الدورة السادسة لمهرجان السينما العربية بروتردام مؤخرا، ونال أحدهم الجائزة الفضية لأفضل فيلم روائي، وهو اليمني الإنكليزي "بدر بن هيرسي".
تحدثوا لإذاعة هولندا العالمية عن تجاربهم، وعن واقع السينما العربية. وعن الظروف التي قذفت بهم خارج بلدانهم ليحسنوا استثمارها في إنجاز مشاريع سينمائية جميلة. هنا الجزء الأول المتضمن حديثي المخرج العراقي "محمد الدراجي" والسوري "هشام الزعوقي".
المخرج العراقي محمد الدراجي
محمد الدراجي .."فريد من نوعه"
درس محمد الدراجي المسرح في العراق قبل توقفه عن الدراسة؛ بسبب مغادرة العراق عام 1994، إلى هولندا كلاجئ؛ حيث درس التصوير السينمائي عام 1998 و1999 في "ميديا أكاديمي" في مدينة هيلفرسوم. ثم سافر إلى لندن لإكمال دراسته العليا في التصوير السينمائي من عام 2002 حتى 2005.
عمل أول فيلم له في هولندا بعنوان "البلدوزر".. مدته 10 دقائق روائي قصير. ثم فيلم "الحرب" مدته أربع دقائق لقطة واحدة عام 2003.
علاقته بمكان نشأته بغداد كان يحاول إخراجها في السينما، مثل "صورة الشهيد الذي كان يعود ملفوفا بالعلم العراقي، إبان الحرب العراقية الإيرانية 1980 – 1988".
واجهته صعوبات كثيرة في أوروبا.. كان يدرس صباحا، وفي الليل يعمل؛ "لأن تكاليف الدراسة كانت مكلفة"؛ فعمل في معامل البلاستيك واللحوم والبيتزا والمطاعم. وكان لديه إصرار على أن يدرس السينما.
يكره التسميات والانتماءات القومية والدينية والمذهبية. يعتبر نفسه إنسانا قبل كل شيء. "أنا محمد الذي ليس له شبيه في كل العالم"، ويعتبر نفسه ينتمي للعراق ولهولندا؛ حيث ولد وعاش صباه في العراق ودرس وتعلم وعمل في هولندا. "هولندا أمنت لي الأمان وإمكانية الدراسة التي لم يوفرها بلدي لي".
أخذته كاميرا 16 ملم بسحرها في صباه، ويأخذه فيلم "جميل يشاهده صبيا". كان لديه حب للسينما؛ لكنه لا يعلم لو ظل في بلده هل كان سيصبح مخرجا كما الآن؟
"الطريق الذي شققته في هولندا لدراسة وتعلم السينما، والأبواب التي طرقتها، والصعوبات التي اجتزتها، لا أدري لو مرت علي في بلدي هل كنت سأجتازها فعلا؟".
محمد الدراجي أفلامه روائية فقط
شارك فيلمه "أحلام" بعشرة مهرجانات عالمية، وسيشارك بعشرين أخرى. يقول: إنه يدور حول قصة الإنسان العراقي البسيط. وقد خطف أثناء التصوير واحتجز من قبل الأميركان.
عدم اتجاهه للتوثيق؟
يقول عن سبب اشتغاله بأفلام روائية فقط: "يوجد في العراق سينمائيون يعملون أفلاما وثائقية الآن، والروائية هي من جهة أخرى توثق لحدث ما أو فكرة ما؛ مثلا تصوير عملية إرهابية في فيلم روائي هو أيضًا توثيق، وإن كان غير حقيقي؛ كذلك سجن أبي غريب، بما أنه مبني على فكرة موجودة في الحياة فهو توثيق لها".
واقع السينما
يبلغ عدد أفلام السينما العراقية 101، وفيلمه الأخير "أحلام" هو الرقم 101 فيها. يقول: إن "السينما في العراق كانت موجودة بالرغم من الحكم القمعي لسلطة البعث والتوجهات التي كانت تفرضها على السينما؛ لكن ظلت هناك بوادر سينما. لا يوجد إرث سينمائي كبير كما هو الحال في مصر؛ فمثلا حين يريد دارس السينما تناول موضوع معين لدراسته يقال له: اذهب شاهد فيلم "الأرض" أو "المومياء". إن هذا الواقع غائب في العراق؛ لكن ربما سيتم الآن التأسيس لذلك".
ويضيف: "عندما نقول سينما نعني صناعة أي حرفة السينما، وليس سينما المهرجانات.. نأمل بعد سقوط النظام ظهور واقع سينمائي جديد في العراق يؤسس لسينما محترفة".
المخرج السوري هشام الزعوقي
هشام الزعوقي: في كل زاوية ببلدي يمكن عمل سينما
لم يكمل "هشام الزعوقي" دراسة الأدب الإنكليزي في سورية؛ بسبب سجنه لأسباب سياسية. وهاجر للنرويج منتصف التسعينيات فدرس السينما من 1997 حتى 2000.
أنجز "الزعوقي" عددا من الأفلام الوثائقية بضمنها "الحنين إلى الوطن" 1998، "الباب" 1999، "الغيتو" 2000، "غرباء دوما" 2003، و"مجرد مدينة" 2003.
علاقته ببلد نشأته
بعد انقطاعه عن سورية 17 عاما مازال يصفها بالغنية بموضوعات شتى؛ إذ يرى أن هناك موضوعات كثيرة "في أي زاوية تضع الكاميرا هناك يمكن أن تخرج بفيلم". ويرى أن السبب متأتٍ من "بقاء الحياة وتفاصيلها بلا انسجام اجتماعي وعمراني، إضافة للفوضى على العكس من أوروبا؛ ففي الشرق لكل شخص حكايته العمرانية والاجتماعية، وهي موضوعات مغرية للسينما". عمل أفلاما روائية قصيرة ووثائقية.. ثلاثة منها نالت جوائز في مهرجانات عالمية.
أول فيلم له هو "الباب" 2000.. نال جوائز في النرويج وإيطاليا. ونال فيلم "غرباء دائما" جائزة روتردام العربي 2002. وفيلم "مجرد مدينة" جائزة روتردام أيضا 2003.
ممنوع ومسموح
تستهدف أفلامه كل المشاهدين؛ لكنه يرى أن العرب أكثر من الأوروبيين تفهما لها؛ من حيث اشتراكهم معه في فهم ذات الإشارات منها؛ لكن للأوروبين قراءة مختلفة لها. يقول: إنه لو كان ببلده لما أصبح سينمائيًّا؛ فالأمر بالنسبة له فرصة سنحت له وصدفة خدمته. في الغرب يسمحون لك بالتجريب والمحاولة؛ لكنه كان في بلده ممنوعا عليه دخول غرفة المونتاج مثلاً؛ حين كان يعمل في شركة إنتاج.
من فلم المخرج هشام الغسل
هشام الزعوقي
تخريب
يرى لهويته كسينمائي عبارة عن "خلطة سورية نرويجية". "النرويج قدمت لي الكثير". زار بلده قبل ثلاثة أعوام مع زوجته النرويجية، ويقول عن تلك الزيارة: "دائما هناك نوايا حسنة وكلام كثير، وفعل أقل بكثير".
والسبب هو "غياب العلاقة بين السينما والناس، والمسؤول عن ذلك الوضع الاقتصادي المتردي والسياسي، بالإضافة إلى أن التلفزيون خرّب عقول الناس؛ فقلت صالات السينما، واقتصرت شركة الإنتاج السينمائي على الحكومية فقط".
ويرى أن السينما تنطوي على نشاط اجتماعي واشتراك في المتعة: "ذهابك للسينما هو نشاط اجتماعي؛ إذ يفرض عليك وجودك في الصالة نشاطًا اجتماعيًّا؛ حيث يجد الناس متعة مشتركة في مكان مظلم".
السياسة حتى في الحب
يفكر بعمل شركة إنتاج سورية نرويجية؛ لإنجاز أفلام في سورية.. لديه مشروعات لإنجاز أفلام روائية طويلة بعد سنوات من الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة. ويرجو عمل أفلام غير سياسية؛ لكنه أينما اتجه عربيا فـ"ثمة السياسة.. حتى في الحب".
يشترك كل من "محمد الدراجي" و"هشام الزعوقي" و"بدر بن هيرسي" بحلمهم الكبير لصناعة سينما عربية محترفة تجمع بين الفن والصناعة والتجارة.
الشباب الثلاثة درسوا السينما في أوروبا، بظروف وأماكن مختلفة. ووظفوا دراستهم لإنجاز أفلام عربية برؤية سينمائية جديدة.
فرصة العمل السينمائي أتيحت لهم خارج بلدانهم، وربما كانت حيواتهم سارت باتجاهات مغايرة، فيما لو ظلوا في تلك البلدان.
الثلاثة تحرروا من وطأة السياسة التي تتدخل في كل نأمة عربيا. ويسعون لتتخلص السينما العربية من الهم السياسي قريبا.وهم يؤسسون، مع مخرجين شباب آخرين، لسينما عربية بدماء شابة. ويدعون "كهول وشيوخ".
السينما العربية المتربعين على كاهلها؛ لإفساح المجال لهم ولمجايليهم من الشباب السينمائيين العرب؛ ليقدموا ما لديهم. الثلاثة حالمون كبار بإنجاز فتوحات سينمائية، فيما لو أتيحت لهم الظروف عربيا. اشتركوا في الدورة السادسة لمهرجان السينما العربية بروتردام، مؤخرا ونال أحدهم الجائزة الفضية لأفضل فيلم روائي وهو اليمني الإنكليزي "بدر بن هيرسي".
تحدثوا لإذاعة هولندا العالمية عن تجاربهم وعن واقع السينما العربية. وعن الظروف التي قذفت بهم خارج بلدانهم ليحسنوا استثمارها في إنجاز مشاريع سينمائية جميلة. وهنا الجزء الثاني المتضمن حديث المخرج اليمني الإنكليزي "بدر بن هيرسي".
المخرج بدر بن هيرسي
بدر بن هيرسي: آن لشيوخ السينما العربية أن يتنحوا
ولد "بدر بن هيرسي" في لندن عام 1968 من أبويين يمنيين وتنتمي عائلته للأسرة المالكة التي كانت تحكم اليمن أسرة الإمام "بدر بن الإمام أحمد". درس المسرح في جامعة لندن جنبا إلى جنب مع دراسة السينما مابين 1994 و1997. كتب وأخرج أول مسرحية له وعمره 11 سنة.
كان يرى في أفراد أسرته كادرا مسرحيا؛ بسبب عددهم "14" شخصا وكان هو الأصغر لستة إخوان وسبعة أخوات. وكانت أجواء البيت بالنسبة إليه أقرب للمسرح.
بدر بن هيرسي
يبدو "بدر" أكثر حرفية من سواه من بقية المخرجين الشباب. ويتحدث بلغة الواثق من أدواته السينمائية ومن نجاحه أيضا. أنجز خمسة أفلام وثائقية أولها "الشيخ الإنكليزي والجنتلمان اليمني". ونال جائزة في مهرجان الدوحة.
الفيلم يصور علاقته الحياتية باليمن وزيارته لأول مرة لها ولقاءه بشخص إنكليزي يعيش منذ 20 سنة في اليمن؛ حيث يعتبر "ابن هيرسي" أكثر إنكليزية من هذا الشيخ، فيما هذا الأخير أكثر يمنية منه. حاول بعد ذلك إنجاز أفلام روائية في اليمن، لكن أحداث 11 سبتمبر غيرت كل خططه.
عمل بعد ذلك فيلم " 11 سبتمبر بعيون سعودية" وهو فيلم وثائقي حوى لقاءات خاصة مع ذوي مفجري 11 سبتمبر السعوديين؛ فنال فيلمه بسبب ذلك شهره واسعة خاصة في أميركا عام 2000. أنجز أفلاما عدة للقناة الرابعة الإنكليزية عن اليمن وعن الإرهاب وعن الحج وجميعها وثائقية.
لكنه لاحظ فيما بعد "أن جميع المنتجين غربيين وعربا، كانوا يفرضون أجندتهم السياسية التي يغيرون لأجلها؛ حتى في محتوى السيناريو لإظهاره متفقا مع تلك الأجندات". فاضطر لتأسيس شركة مع صديقه "أحمد عبدلي" اليمني والمولود في لندن ويمتلكان نظرات متقاربة تجاه الشرق والغرب.
يوم جديد في صنعاء القديمة
يوم جديد في صنعاء القديمة هو باكورة أفلام "بدر" الروائية. وحظي بدعم من الحكومة اليمنية، كما فاز بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة، وأخرى في مهرجان مسقط مؤخرا، وحظي أيضاً بجائزة الصقر الفضي في روتردام . ويشكو المخرج من تقصير الإعلام العربي في تسليط الضوء على فيلمه، لكنه لا يهتم كثيرا لذلك؛ لأن ما يهمه هو محبة كل من شاهد الفيلم له.
خيال
كان اليمن بالنسبة إليه مكانا خياليا، قبل زيارته الأولى إليه التي" أشعرتني أنني داخل بلدي بالرغم من محبتي الكبيرة للندن". كانت لديه خطط لأفلام يمنية وتوظيف ما تعلمه في لندن؛ لإظهار الوجه الأجمل لليمن. لكن بعد 11 سبتمبر" أصبحت خططي لإبراز الوجه الأجمل عربيا وإسلاميا، وإخراجه من الصورة النمطية المرسومة في الغرب".
ويرى أن دوره مهم جدا وأن عليه مسؤولية إزاء ذلك.
من فلم أحلام للمخرج العراقي محمد الدراجي
بين الوثائقية والروائية
استنتج أن الأفلام الوثائقية لم تعد كافية لتقديم صورة حقيقة للعرب والمسلمين فاتجه للروائية. لإظهار كيف نبكي وكيف نضحك وكيف نعيش. ومن أجل تسليط لقطة اجتماعية بعيدا عن السياسة".
مصاعب
واجه "بدر" مصاعب لتصوير فليمه "يوم جديد في اليمن القديمة" فتم اتهامه وكادر الفيلم، بأنهم يصورون مشاهد جنسية في المساجد وأنه عميل للـ" سي آي أيه" والموساد." لكننا وجدنا أن أولئك يقدمون دعاية مجانية للفيلم".
"لم يكن في اليمن أي جهاز للسينما، يمكننا الاستعانة به فاضطررنا لاستيرادها من الخارج وكانت تزن تسعة أطنان".
ويضيف "كانوا يظنون أن كادر الفيلم فقط المخرج والممثل ومهندس الصوت. لكن اتضح أن العدد أكبر بكثير من ذلك. فقطع السير في أثناء التصوير. وتدخل أيضا البرلمان لمشاهدة الفيلم قبل عرضه وطلب تغييرات في مشاهده". لكن بعد عرض الفيلم ونيله جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة تم الاحتفاء به يمنيا. معهد للسينما
يفكر بتأسيس معهد للسينما في اليمن؛ إذ لا يوجد أي معهد للسينما هناك؛ من أجل تطوير الكفاءات اليمنية من الهواة الذين يتمنون إخراج أفلام يمنية. وسيكرس جهده لإنجاز هذا المشروع بعد الانتهاء من فيلميه الراوئيين القادمين.
شعار مهرجان روتردام السينمائي
سينما عربية شابة
يشعر "بدر" أن هناك جيلا جديدا اليوم من السينمائيين العرب خاصة الشباب المقيمين في الخارج، ويدعو السينمائيين العرب في الداخل لإنجاز أعمال مشتركه معه ومع زملائه الذين يعيشون في الخارج.
ويدعو المخرجين الشيوخ العرب أن يفسحوا المجال للشباب "لأن سطوتهم المفروضة تعيق تميز هؤلاء الشباب" الذين يرى أن المخرج "شريف البنداري" المصري نموذجا مهما لهم.
ويرى "أن شيوخ السينما العرب لا يفهمون الشباب، فيقفون عائقا أمامهم". قبل أن يستدرك بأنه يحترم نتاجهم الذي قدموه. "لكن الوقت الحالي هو وقت السينمائيين الشباب. ولابد من بث دماء جديدة في السينما العربية".
ويعلل ذلك بأن "مشكلة السينمائيين العرب أنهم ينظرون للسينما بأنها موجهة للعرب فقط، وأنها فن فقط. فيما هي "بزنيس" أيضا ويجب أن تكون موجهة لجميع العالم".
وهو متفائل بأن هناك أفلاما عربية ستنجح وتحظى بالعالمية خاصة إذا تم تجاوز السياسة فيها. "المشاهد سيشعر بالتعب بعد دقائق من مشاهدته فيلما، راسخة فيه السياسة التي تعتمد على إيراد معلومات.. يجب أن يشعر المشاهد أنه منقطع عن العالم الخارجي في أثناء مشاهدته لفيلم سينمائي في الصالة لمدة ساعة ونصف أو ساعتين".نشرت هذه المادة في الموقع الخاص بالأذاعة الهولندية
الخميس يوليو 07, 2011 5:53 am من طرف حسن الجاز
اليومية
موضوع: السينما العربيةفي عيون ثلاثة مخرجين 
